دراسة أدبية
صفحة 1 من اصل 1
دراسة أدبية
الشاعرة شريفة السيد
هل هي طقوس انتظار / أم طقوس انتصار ؟!
دراسة بقلم : محمد الزينو السلوم
------------------------------------------------------------------------------------
طقوس الانتظار للشاعرة شريفة السيد * آخر إصداراتها الشعرية حتى عام 2002م ، صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ضمن منشورات مكتبة الأسرة لمهرجان القراءة للجميع ، التي تشرف عليه السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس المصري ، من لإبداعات الشباب ، والمجموعة جاءت في 178صفحة من القطع الوسط ، 31 قصيدة من الشعر العمودي والتفعيلة ، وهي مؤرّخة ما بين عام 1991 - 1997 م ، أما صورة الغلاف فهي للفنانة السورية / ميسون جزائري / ..
في قصيدة طقوس الانتظار وهي عنوان المجموعة أيضاً ، تقول في مطلعها : " سيجيء في الغد / هكذا قد قال لي / فأضأتُ أرض بكارتي / تلك التي / ظلّتْ سنيناً مطفأةْ .." ، بعدها تقول : " سألقّن الجسد الخجولَ / بلاغتي / وسأرتدي الوهج الذي / هو في الحنايا خبّأةْ .." ، نجد الشاعرة تمتلك الجرأة في رسم مشاعرها وأحاسيسها منذ بداية الرحلة ، هي تحرّض الأشواق كي تبدو له كأساً رضاباً ممتلئة بانتشاء الفجر ، وستكتب فيه الأشعار ترنّماً ، وتخط قافية لعوباً فوق صدر البوح متّكئة ، إنها أنثى لا تخجل من رسم أحاسيسها ومشاعرها في لوحتها الشعرية الجميلة ..
وفي قصيدة إني عائدة من توّي : اغتالوا ذاكرتها في قيلولة عمرها ، وكشفوا كل خلاياها ..إلى أن تقول : " يا وطني / يا جزراً فقدت يابسها / وطفتْ فوق الموج الحائر / إني عائدة من توّي / ثائرة للجرح الغائر .. " ، والقصيدة وطنية ، فيها تطرح رأيها بجرأة ، كما عهدناها في شعرها الوجداني أيضاً ..
في قصيدة بعد الرّي : ص19 تقول : ربيعك / حين أفاض بعمري الذي غرّدا / وراح يقبّل وجهي برفقٍ / يحطّ على وجنتيه الندى .." ، إلى أن تقول : " وصرتُ بهمسك كالأقحوانِ / عبيري يعطّر هذا المدى .."، إلى أن تقول : " أنا صفحة الماء نارٌ ونورٌ / إذا غبتُ عنه فلن يُنشدا / أنا نخلة التمر فاصعد لتمري / وليس لغيرك أن يصعدا .." ، والقصيدة من أبدع وأجمل قصائد المجموعة ، وكما نرى فهي عمودية لكنها جاءت موزّعة كشعر التفعيلة مثل العديد من القصائد الأخرى في الديوان..
وفي قصيدة موسم النار ص25 تبدأ القصيدة بقولها : " دعيني أقبّل ثغر القصيدة / أزرع صوتي في مسمعكْ / وأجمع ديوان شعري وروداً / تحيط الوسائد في مخدعكْ ../ فلا تقطفي الزهر من روضها / ورشّي نداها على أضلعكْ .." ، إنه بوح جميل يخرج من مهجة الشاعرة كالنسيم العليل يلامس الزهر لينشر عطره هنا وهناك ..والقصيدة كما نرى جاءت بصوت المذكر ، وهي أيضاً من قصائدها المميزة ، وتمضي
-----------------
*الشاعرة شريفة السيد : من القاهرة - جمهورية مصر العربية - مواليد ... ، تنشر في الدوريات العربية والمحلية - حازت على العيد من الجوائز المحلية والعربية - زارت العديد من الدول العربية وشاركت في أمسيات شعرية فيها - منها مهرجان الباسل في اللاذقية لعام 2001 .
* من إصداراتها الشعرية :
في مقاطع القصيدة فتقول : " سأهديك فوق القصائد قلبي / كعصفور ليلٍ على إصبعكْ / تُراقصه هدهداتك حيناً / وحيناً ينام على أذرعكْ..، وفي مقط آخر تقول : إذا كان منهنّ من راودتني / فأنتِ الوحيدة في موضعكْ / إلى موسم النار هيّا خذيني / أصبّ اللهيبين في مضجعِكْ ..، وتتالى قصائد المجموعة : الشرنقة - امرأة دخلت التاريخ - إلى تأتي قصيدة فعل الربيع ( مهداة إلى ابنتها خلود " تقول في مطلعها : هي البنت التي منذ حين / أحاطت بكلتا يديها الحقيبةْ / وحنّت ضفائرها للنهودِ / فصبّتْ بهاءً وقاراً وطيبةْ ..، وتصف ابنتها وهي ذاهبة وعائدة من المدرسة وصفاً بديعاً ، إلى أن تقول : " ولكنّ فعل الربيع أتاها / ففاضتْ جمالاً وماست عذوبةْ .. / ورقّت كأنسام ليلٍ بديعٍ / فزيدت حناناً ، دلالاً ، خصوبةْ .." ، وتتمنى في آخر القصيدة أن تكون هذه الحبيبة أو حتى تكون الحقيبة التي تحملها ابنتها ، مما يدل على حبّها لابنتها حباً لا يعادله حب ، وكيف لا وهي الأم والشاعرة معاً ..!
نتجاوز بعض القصائد الأخرى مثل : الأسطورة الأولى - لا .. هارحوما - تفاصيل صغيرة - ماذا لو - حرفان - ضوء أحمر ، لندخل في فضاءات قصيدة الليلة الواحدة والعشرون بعد الألف (ص73 ) تقول فيها : " حين يصبّ اللجين شذاه / على أمسياتي / أذوب .. أكاد أجنْ ..! / فراشات صمتي / تداعب كلّ حواسي .." ، فكيف يصب اللجين شذاه على حواسها ؟ وكيف فراشاة صمتها تداعب حواسها ؟! إنه الشعر يمتزج به السحر بالساحر ، البديع بالإبداع ، فيأتي الرسم بألوان قوس قزح ، والبوح من شذا اللجين وصمت الفراشاة ..!
وتتابع الشاعرة وصف المها وعيونهنّ ، وكيف يلوّحن لليل والفجر مهلاً وصبراً جميلاً ..
في قصيدة في القلب معتقلٌ جميل فادخلي ، ص79 تقول الشاعرة بصوت المحب : " ها قد أتاكِ الغيث فامتثلي / وتفنني في الغيّ واشتعلي / صبي جحيمكِ / في قلوب العاشقين / وراقبيهم من علِ " ..إلى أن تقول : " وأنا مراودكِ الوحيد / فأرسلي واستقبلي / وعلى نجيمات السكون النائمات تنقّلي .." ..نلاحظ هنا الموسيقى تتهادى كتغريد العندليب ، والإيقاع يرسم نجواه في القلب والروح بعد الجسد ..!
نتجاوز بعض القصائد الأخرى مثل : حواء في سِفْر الخروج - تأبين - هي والبراويز القديمة ..وأنا - أورفيوس .. متى ستعود ؟! - لنأتي إلى قصيدة " وللحنين خريطة أخرى ، ص107 : لنؤكد مقولتنا حول الإيقاع الذي كثيراً ما تختاره الشاعرة ... هذا الإيقاع الغنائي ، الراقص ، الذي يشكّل العمود الفقري في فضاءات الشاعرة " شريفة السيد " ، والذي يأتي باختيارات روحية ، تشف عن رهافة الإحساس والشعور ، وكثيراً ما تعبّر عن الحالة النفسية للمبدع .. ، تقول في مطلعها : " أغرودتانْ / تتمايلان على بساطٍ من جمانْ / ألوانه رقصتْ / كعود السنديانْ / سكبت ضياءً لا زوردياً / شهيّ المبتدى والمنتهى / نيلاً تهدّر من أعالي التلّ / من عبق الزمانْ .." تبرز لنا الموسيقى الممزوجة بالكلمات والمعطّرة بروائح البوح ، وكأننا أمام سيمفونية بحيرة البجع التي ترقى بنا إلى عالم السحر ..وتتابع الشاعر فتقول : " أغرودتان / شمسان في كنف الدجى تتعانقانْ / تتخلصان من الرزانة وانحناءات المكان / نايان ينكسر الأنين لديهما / يتهامسان فيفهمانْ .." ( حتى الأحرف مثل التاء والنون ، والألف ، والميم ، وغيرها من الأحرف الرقيقة ، الناعمة ، تشترك في العزف فتجعل الإيقاع يغني ويرقص ويصعد للسماء ..!ونقفز قفزة أخرى في قصائد المجموعة لنمر على قصيدة الممرات لا تحتوي عابريها ( 10 مقاطع ) - حين أطلّت جنّيات البحر عليها - عمر بن الخطاب يبعث من جديد - حالة مفاجئة " ، لندخل في رحاب قصيدة سيمفونية الوجد ، ص139 :
حيث تقول معتزّة بنفسها: " لو داعبت كفّي الكواكب في السما / لترنّمتْ / وتصاعد العزف البهيج جداولاً " ، إلى أن تقول : " مرمرتني / فتمرجن الكلم المباغت / من فمي / وتألّق الفجر الضحوك / بجبهتي / ووجدت لي في ذلكم عذرا.. / يا سيدي مهلاً علي فإنني / ما زلت زنبقةً / وجرحاً نازفاً / والجرح لو أهملته استعرا ..! ولا أظن بل أجزم أن مثل هذا الإبداع لا بد وأن يحتل مكاناً له في الروح قبل القلب والجسد ، أما فيما يتعلق بالانزياحات اللغوية ذات الدلالات الجدية فما أكثرها في شعر ها مثل : تمرجن - تموسق - تنورس - رائحة النور - أقحوان الكلام - شرانق الهيام - خيوط الصبا ..الخ .. وهي تدل على للشاعرة لغتها ومعجمها أيضاً ..!
وتبدو أن الشاعرة أرادت أن تخرج من فضاءات القصيدة الطويلة إلى القصيدة ذات المقاطع المسمّاة ، القصيرة ، ومن هذه القصائد : من حكايا المدينة ( عودة - إقبال - احتشام - أنين - ثورة ) ، ومشاهد طفولية ( براءة - شفافية - مصير ) ومعزوفات من جنتها ( رنين - ميكروسكوب - لعبة - إمرأة - بطلة - في النفق - سرقة - فاصلة - حيرة - جَزْر - غمغمة - رقة ) ، لعبة الطواحين - دراما أخيرة .. وسأستعرض مقطعين من قصيدتي : من حكايا المدينة ، ومعزوفات من جنّتها كنماذج ، وهما : رنين - بطلة ..
في مقطع " رنين " ص 161 : تقول : " في الليل الهارب مني / أعشق صوت الهاتف / إذ يطلبني / أهمسُ : رغم الجسد المجهدِ/ والعينين الزائغتين / آهٍ لو داهمت قلاعي تواً .." ، وفي مقطع بطلة ص 165 تقول أيضاً : " في حجرته / مدّت يدها نحو المكتبة وقالتْ / هذي القصة لم أقرأها / وأنا أهوى قصص العشقِ / وأرغب أن آخذها منكَ / وحين تعود إليكَ / اقرأها / سوف أكون البطلةْ ..! " .
وأخيراً وبعد ولوج فضاءات الشاعرة " شريفة السيد " يمكن القول : إنها شاعرة شفافة ورقيقة رقّة أجنحة الفراشات ، تحلّق في بوحها ، وتتألق في سماوات عشقها ، ترفّ رفيفاً لا يشبهه أي رفيف ، تموسق إيقاعاتها الغنائية والراقصة في انسيابية رقراقة كالسلسبيل ..تمتلك جرأة الأنثى التي تبوح بوجدها غير هيّابة ولا وجلة .. وأسأل الشاعرة في آخر المطاف : كم مرة ساومتها فتوحاته الفوضوية ؟ وهل ساءلتها الفيوضات يوماً عن الوجد ؟ وكيف في عمق عمق النهار تُبدّد أوصال غلّها ؟ أسئلة كثيرة تطرحها المجموعة الشعرية على صاحبتها ، ويبقى الجواب بين طيات فضاءاتها الإبداعية ..
3/12/ 2002م
هل هي طقوس انتظار / أم طقوس انتصار ؟!
دراسة بقلم : محمد الزينو السلوم
------------------------------------------------------------------------------------
طقوس الانتظار للشاعرة شريفة السيد * آخر إصداراتها الشعرية حتى عام 2002م ، صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ضمن منشورات مكتبة الأسرة لمهرجان القراءة للجميع ، التي تشرف عليه السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس المصري ، من لإبداعات الشباب ، والمجموعة جاءت في 178صفحة من القطع الوسط ، 31 قصيدة من الشعر العمودي والتفعيلة ، وهي مؤرّخة ما بين عام 1991 - 1997 م ، أما صورة الغلاف فهي للفنانة السورية / ميسون جزائري / ..
في قصيدة طقوس الانتظار وهي عنوان المجموعة أيضاً ، تقول في مطلعها : " سيجيء في الغد / هكذا قد قال لي / فأضأتُ أرض بكارتي / تلك التي / ظلّتْ سنيناً مطفأةْ .." ، بعدها تقول : " سألقّن الجسد الخجولَ / بلاغتي / وسأرتدي الوهج الذي / هو في الحنايا خبّأةْ .." ، نجد الشاعرة تمتلك الجرأة في رسم مشاعرها وأحاسيسها منذ بداية الرحلة ، هي تحرّض الأشواق كي تبدو له كأساً رضاباً ممتلئة بانتشاء الفجر ، وستكتب فيه الأشعار ترنّماً ، وتخط قافية لعوباً فوق صدر البوح متّكئة ، إنها أنثى لا تخجل من رسم أحاسيسها ومشاعرها في لوحتها الشعرية الجميلة ..
وفي قصيدة إني عائدة من توّي : اغتالوا ذاكرتها في قيلولة عمرها ، وكشفوا كل خلاياها ..إلى أن تقول : " يا وطني / يا جزراً فقدت يابسها / وطفتْ فوق الموج الحائر / إني عائدة من توّي / ثائرة للجرح الغائر .. " ، والقصيدة وطنية ، فيها تطرح رأيها بجرأة ، كما عهدناها في شعرها الوجداني أيضاً ..
في قصيدة بعد الرّي : ص19 تقول : ربيعك / حين أفاض بعمري الذي غرّدا / وراح يقبّل وجهي برفقٍ / يحطّ على وجنتيه الندى .." ، إلى أن تقول : " وصرتُ بهمسك كالأقحوانِ / عبيري يعطّر هذا المدى .."، إلى أن تقول : " أنا صفحة الماء نارٌ ونورٌ / إذا غبتُ عنه فلن يُنشدا / أنا نخلة التمر فاصعد لتمري / وليس لغيرك أن يصعدا .." ، والقصيدة من أبدع وأجمل قصائد المجموعة ، وكما نرى فهي عمودية لكنها جاءت موزّعة كشعر التفعيلة مثل العديد من القصائد الأخرى في الديوان..
وفي قصيدة موسم النار ص25 تبدأ القصيدة بقولها : " دعيني أقبّل ثغر القصيدة / أزرع صوتي في مسمعكْ / وأجمع ديوان شعري وروداً / تحيط الوسائد في مخدعكْ ../ فلا تقطفي الزهر من روضها / ورشّي نداها على أضلعكْ .." ، إنه بوح جميل يخرج من مهجة الشاعرة كالنسيم العليل يلامس الزهر لينشر عطره هنا وهناك ..والقصيدة كما نرى جاءت بصوت المذكر ، وهي أيضاً من قصائدها المميزة ، وتمضي
-----------------
*الشاعرة شريفة السيد : من القاهرة - جمهورية مصر العربية - مواليد ... ، تنشر في الدوريات العربية والمحلية - حازت على العيد من الجوائز المحلية والعربية - زارت العديد من الدول العربية وشاركت في أمسيات شعرية فيها - منها مهرجان الباسل في اللاذقية لعام 2001 .
* من إصداراتها الشعرية :
في مقاطع القصيدة فتقول : " سأهديك فوق القصائد قلبي / كعصفور ليلٍ على إصبعكْ / تُراقصه هدهداتك حيناً / وحيناً ينام على أذرعكْ..، وفي مقط آخر تقول : إذا كان منهنّ من راودتني / فأنتِ الوحيدة في موضعكْ / إلى موسم النار هيّا خذيني / أصبّ اللهيبين في مضجعِكْ ..، وتتالى قصائد المجموعة : الشرنقة - امرأة دخلت التاريخ - إلى تأتي قصيدة فعل الربيع ( مهداة إلى ابنتها خلود " تقول في مطلعها : هي البنت التي منذ حين / أحاطت بكلتا يديها الحقيبةْ / وحنّت ضفائرها للنهودِ / فصبّتْ بهاءً وقاراً وطيبةْ ..، وتصف ابنتها وهي ذاهبة وعائدة من المدرسة وصفاً بديعاً ، إلى أن تقول : " ولكنّ فعل الربيع أتاها / ففاضتْ جمالاً وماست عذوبةْ .. / ورقّت كأنسام ليلٍ بديعٍ / فزيدت حناناً ، دلالاً ، خصوبةْ .." ، وتتمنى في آخر القصيدة أن تكون هذه الحبيبة أو حتى تكون الحقيبة التي تحملها ابنتها ، مما يدل على حبّها لابنتها حباً لا يعادله حب ، وكيف لا وهي الأم والشاعرة معاً ..!
نتجاوز بعض القصائد الأخرى مثل : الأسطورة الأولى - لا .. هارحوما - تفاصيل صغيرة - ماذا لو - حرفان - ضوء أحمر ، لندخل في فضاءات قصيدة الليلة الواحدة والعشرون بعد الألف (ص73 ) تقول فيها : " حين يصبّ اللجين شذاه / على أمسياتي / أذوب .. أكاد أجنْ ..! / فراشات صمتي / تداعب كلّ حواسي .." ، فكيف يصب اللجين شذاه على حواسها ؟ وكيف فراشاة صمتها تداعب حواسها ؟! إنه الشعر يمتزج به السحر بالساحر ، البديع بالإبداع ، فيأتي الرسم بألوان قوس قزح ، والبوح من شذا اللجين وصمت الفراشاة ..!
وتتابع الشاعرة وصف المها وعيونهنّ ، وكيف يلوّحن لليل والفجر مهلاً وصبراً جميلاً ..
في قصيدة في القلب معتقلٌ جميل فادخلي ، ص79 تقول الشاعرة بصوت المحب : " ها قد أتاكِ الغيث فامتثلي / وتفنني في الغيّ واشتعلي / صبي جحيمكِ / في قلوب العاشقين / وراقبيهم من علِ " ..إلى أن تقول : " وأنا مراودكِ الوحيد / فأرسلي واستقبلي / وعلى نجيمات السكون النائمات تنقّلي .." ..نلاحظ هنا الموسيقى تتهادى كتغريد العندليب ، والإيقاع يرسم نجواه في القلب والروح بعد الجسد ..!
نتجاوز بعض القصائد الأخرى مثل : حواء في سِفْر الخروج - تأبين - هي والبراويز القديمة ..وأنا - أورفيوس .. متى ستعود ؟! - لنأتي إلى قصيدة " وللحنين خريطة أخرى ، ص107 : لنؤكد مقولتنا حول الإيقاع الذي كثيراً ما تختاره الشاعرة ... هذا الإيقاع الغنائي ، الراقص ، الذي يشكّل العمود الفقري في فضاءات الشاعرة " شريفة السيد " ، والذي يأتي باختيارات روحية ، تشف عن رهافة الإحساس والشعور ، وكثيراً ما تعبّر عن الحالة النفسية للمبدع .. ، تقول في مطلعها : " أغرودتانْ / تتمايلان على بساطٍ من جمانْ / ألوانه رقصتْ / كعود السنديانْ / سكبت ضياءً لا زوردياً / شهيّ المبتدى والمنتهى / نيلاً تهدّر من أعالي التلّ / من عبق الزمانْ .." تبرز لنا الموسيقى الممزوجة بالكلمات والمعطّرة بروائح البوح ، وكأننا أمام سيمفونية بحيرة البجع التي ترقى بنا إلى عالم السحر ..وتتابع الشاعر فتقول : " أغرودتان / شمسان في كنف الدجى تتعانقانْ / تتخلصان من الرزانة وانحناءات المكان / نايان ينكسر الأنين لديهما / يتهامسان فيفهمانْ .." ( حتى الأحرف مثل التاء والنون ، والألف ، والميم ، وغيرها من الأحرف الرقيقة ، الناعمة ، تشترك في العزف فتجعل الإيقاع يغني ويرقص ويصعد للسماء ..!ونقفز قفزة أخرى في قصائد المجموعة لنمر على قصيدة الممرات لا تحتوي عابريها ( 10 مقاطع ) - حين أطلّت جنّيات البحر عليها - عمر بن الخطاب يبعث من جديد - حالة مفاجئة " ، لندخل في رحاب قصيدة سيمفونية الوجد ، ص139 :
حيث تقول معتزّة بنفسها: " لو داعبت كفّي الكواكب في السما / لترنّمتْ / وتصاعد العزف البهيج جداولاً " ، إلى أن تقول : " مرمرتني / فتمرجن الكلم المباغت / من فمي / وتألّق الفجر الضحوك / بجبهتي / ووجدت لي في ذلكم عذرا.. / يا سيدي مهلاً علي فإنني / ما زلت زنبقةً / وجرحاً نازفاً / والجرح لو أهملته استعرا ..! ولا أظن بل أجزم أن مثل هذا الإبداع لا بد وأن يحتل مكاناً له في الروح قبل القلب والجسد ، أما فيما يتعلق بالانزياحات اللغوية ذات الدلالات الجدية فما أكثرها في شعر ها مثل : تمرجن - تموسق - تنورس - رائحة النور - أقحوان الكلام - شرانق الهيام - خيوط الصبا ..الخ .. وهي تدل على للشاعرة لغتها ومعجمها أيضاً ..!
وتبدو أن الشاعرة أرادت أن تخرج من فضاءات القصيدة الطويلة إلى القصيدة ذات المقاطع المسمّاة ، القصيرة ، ومن هذه القصائد : من حكايا المدينة ( عودة - إقبال - احتشام - أنين - ثورة ) ، ومشاهد طفولية ( براءة - شفافية - مصير ) ومعزوفات من جنتها ( رنين - ميكروسكوب - لعبة - إمرأة - بطلة - في النفق - سرقة - فاصلة - حيرة - جَزْر - غمغمة - رقة ) ، لعبة الطواحين - دراما أخيرة .. وسأستعرض مقطعين من قصيدتي : من حكايا المدينة ، ومعزوفات من جنّتها كنماذج ، وهما : رنين - بطلة ..
في مقطع " رنين " ص 161 : تقول : " في الليل الهارب مني / أعشق صوت الهاتف / إذ يطلبني / أهمسُ : رغم الجسد المجهدِ/ والعينين الزائغتين / آهٍ لو داهمت قلاعي تواً .." ، وفي مقطع بطلة ص 165 تقول أيضاً : " في حجرته / مدّت يدها نحو المكتبة وقالتْ / هذي القصة لم أقرأها / وأنا أهوى قصص العشقِ / وأرغب أن آخذها منكَ / وحين تعود إليكَ / اقرأها / سوف أكون البطلةْ ..! " .
وأخيراً وبعد ولوج فضاءات الشاعرة " شريفة السيد " يمكن القول : إنها شاعرة شفافة ورقيقة رقّة أجنحة الفراشات ، تحلّق في بوحها ، وتتألق في سماوات عشقها ، ترفّ رفيفاً لا يشبهه أي رفيف ، تموسق إيقاعاتها الغنائية والراقصة في انسيابية رقراقة كالسلسبيل ..تمتلك جرأة الأنثى التي تبوح بوجدها غير هيّابة ولا وجلة .. وأسأل الشاعرة في آخر المطاف : كم مرة ساومتها فتوحاته الفوضوية ؟ وهل ساءلتها الفيوضات يوماً عن الوجد ؟ وكيف في عمق عمق النهار تُبدّد أوصال غلّها ؟ أسئلة كثيرة تطرحها المجموعة الشعرية على صاحبتها ، ويبقى الجواب بين طيات فضاءاتها الإبداعية ..
3/12/ 2002م
???? ???- زائر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى